الجمعة, 20 يونيو, 2025

ليست سياسات جديدة بل دول شرق أوسطية جديدة

المقال يناقش تحوّلاً استراتيجياً في الشرق الأوسط بدأ مع قرار نتنياهو مهاجمة إيران عسكرياً، متجاوزاً الخطوط التقليدية لإسرائيل في تحمّل الخسائر وفي تقدير التبعات المصيرية للقرارات العسكرية وأهمها المخاطر الناجمة عن ضرب المنشآت النووية. ترى رشا الجندي أن نتيجة هذا التصعيد يبرز التساؤل المتعلق بمستقبل إيران كدولة قد ينهار نظامها ليظهر نظام عسكري جديد كما قد تتفكك إيران لأقاليم فيما لو استمرت الحرب لفترة طويلة، هذه أسئلة استراتيجية بالنسبة لدول الخليج التي تريد علاقات طبيعية مع دول الجوار، بينما من غير الواضح اذا كانت إيران صديقة لدول الخليج والغرب هو ما تريده إسرائيل فعلاً.


لم يستيقظ الشرق الأوسط على حرب جديدة في 13 يونيو ولم يستيقظ في 7 أكتوبر على إعلان انقلاب في النظام الإقليمي الذي بدأ منذ 1979 واستمر رغم التغييرات العديدة التي شهدها، بدءاً من غزو العراق ومروراً باغتيال الحريري وحرب سوريا والتي أضعفت جميعها المحور العربي مقابل محور بناه النظام الإيراني. لقد استيقظ الشرق الأوسط على البدء ببروز دول شرق أوسطية جديدة وأولها إسرائيل التي لم تكن حتى هذه اللحظة تعتبر نفسها قريبة من طبيعة حروب الشرق الأوسط وهي الدخول في معارك تقبل الدمار، تقبل الخسائر البشرية بتبريرات المصالح القومية العليا للدولة، حتى 13 يونيو كانت إسرائيل أمريكية في احتساب خسائرها.

قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ببدء عملية عسكرية ضد إيران وتشبيه التعامل مع طهران بالتعامل مع بيروت لا شكّ كان صادماً. لأنه كان تهديد مباشر باستعداد نتنياهو بتدمير طهران للوصول للمسؤولين الإيرانيين والمواقع العسكرية في المدينة حتى وإن كان الثمن كبيراً. بالمقابل فإنّ نتنياهو أدخل إسرائيل في مواجهة عسكرية مع أقوى خصم عسكري في الشرق الأوسط وهو بدأ المعركة الكبرى التي اعتقدت جميع دول المنطقة والعالم بأنها غير مرجحة بسبب ميزان الردع والتدمير الهائل المتوقع في حال انفجارها وهو ما يحدث فعلاً.

بالنسبة للنظام الإيراني، هذا النوع من الأنظمة لا يخسر بخسارة الأرواح بل يخسر بخسارة الأدوات ولا يوجد حتى الآن ما يظهر أنّ الضربات الإسرائيلية كانت قادرة على إنهاء القدرات النووية الإيرانية وهذا يعني أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي سيستمر بالعملية ضد إيران في المدى المنظور وفي حال تحرّكت أذرع إيران في المنطقة فهو يبدو مستعداً لضربها أيضاً وهذا سيعني جبهات محتملة واسعة النطاق في العراق ولبنان واليمن.

ليس من الواضح حتى الآن فيما لو كان النظام الإيراني الحالي مُدرك لخطورة المرحلة، ولاستعداد رئيس الوزراء الإسرائيلي للمضيّ قُدُماً في أجندته والتي تتمثل بحسب ما يبدو بالقضاء كلياً على التهديدات العسكرية ضد إسرائيل بكل أشكالها سواء نظام سياسي أو ميليشيات أو برنامج نووي أو مواقع تصنيع عسكري بصرف النظر عن الثمن وهي لحظة إدراك قد لا تتحقق، الأمر الذي يمثّل خطر استراتيجي على مُجمل دول الإقليم.

رئيس الوزراء الإسرائيلي دخل أولاً في الحرب الأطول في تاريخ إسرائيل وهي عملياته العسكرية في غزة والتي قد لا ترقى لمستوى الحرب بسبب عدم وجود توازن قوة بالأساس. ثانياً أعلن نتنياهو بأنّ إسرائيل هي دولة شرق أوسطية بامتياز حيث تجاوز الأسطورة التي تزعم أنّ حياة المواطن الإسرائيلي ثمينة سواء من خلال تخليه عن الأسرى لدى حماس وسواء من خلال قبوله بالخسائر البشرية الإسرائيلية خلال المواجهة العسكرية مع إيران.

بالنسبة للعمليات الإسرائيلية، فإنّ ضرب القدرات النووية الإيرانية سيضع المنطقة في خطر التلوث النووي وهذا سيعتمد على مدى امتداد هذا التلوث وعلى الدول التي ستكون قريبة منه ومنابع المياه وحركة الهواء وعمق التلوث الحاصل، وباعتبار أنّ إسرائيل نفسها تقع في الشرق الأوسط فإنّ نتنياهو مستعد للمغامرة بالمصير النهائي لإسرائيل بهذه الاستراتيجية.
من جهة أخرى، في حال استمرت الحرب بهذه الوتيرة لمدة طويلة لكسر شوكة النظام الإيراني كهدف إسرائيلي أخير، وفي حال لم يقبل نظام طهران بشروط الرئيس ترامب لوقف الحرب فهذا سيرجح أنّ النظام الإيراني سيسقط خلال الأشهر القادمة، وسيكون التساؤل حول شكل النظام القادم بين نظام عسكري جديد متماهي مع مقاربات العدوّ والصديق لنظام الجمهورية الإسلامية مع تغيير سطحي لبعض المقاربات السياسية والأيديولوجية، أو نظام يخرج من رحم المعارضة الإيرانية التي استمرت منذ نشوء الجمهورية الإسلامية في 1979. بذات الوقت وهو أمر يعتمد على سياسات الولايات المتحدة وإسرائيل والإقليم عموماً فإنّ سيناريو انفكاك الأكراد والعرب في الأحواز سيناريو محتمل باعتباره أنه سيمثّل فرصة لمشاريع هذه القوميات المستضعفة في إيران.

بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، فإنّ ضرب القدرات النووية الإيرانية كان هدفاً مفيداً لو حصل في مراحله الأولى دون تهديد إشعاعي أو بناء قدرات عسكرية تقليدية وغير تقليدية في إيران وهو ما تُركت لعقود تقوم ببنائه دون محاسبة أو تهديد مباشر سواء من إسرائيل أو الولايات المتحدة، وهو ما لم يحصل في سيناريو العراق مثلاً حيث تم ضرب مساعيه النووية بسرعة خاطفة، وبصرف النظر عن السبب فإنّ قرار إنهاء قدرات إيران بثمن منخفض تأخّر بالنسبة لدول المنطقة.

اليوم، تمثّل إيران تهديد عسكري فعلي بسبب بُعدها الجغرافي وقدراتها العسكرية التقليدية التي يتوقع أن يتم استخدامها لدى شعور النظام الإيراني بأنه مهدد بالسقوط وهذا يشمل المصالح الأمريكية في دول الخليج والممرات البحرية حتى ولو عنى ذلك انخراط عسكري أمريكي مباشر ينهي الحرب والنظام ومعه قدر هائل من الدمار في المدن الإيرانية، لكن هل سيعني ذلك دولة إيرانية صديقة من جديد للولايات المتحدة والمحور الغربي على غرار سيناريو اليابان بعد دمار الحرب العالمية الثانية، أم أنه سيعني دولة ضعيفة متناقضة الانتماءات على غرار سيناريو العراق. بكل الأحوال فإنّ دول الخليج التي تحمل مشروع اقتصادي ورؤية تنموية لمستقبلها في الساحة الدولية هي من سيتحمّل تبعات السيناريو الاقتصادية والأمنية والسياسية أكثر من أية دولة أخرى في العالم.

بالنسبة لدول الخليج فالسيناريو الذي سيخلف النظام الإيراني الراهن يحمل أهمية استراتيجية لمصير العلاقة مع إيران وهو سبب الحذر وعدم وجود أيّة محاولة لتغيير النظام القائم حالياً في إيران، فنظام الشاه كان صديق للغرب لكن لم يكن صديق لدول الخليج وهو من احتلّ الجزر الإماراتية الثلاث عام 1971، ونظام الجمهورية الإسلامية أكمل مسار العداوة بإضعاف الدول العربية وتفكيك ولاءات شعوبها إلى ولاءات صُغرى طائفية بعيدة عن الانتماء الوطني. 
السؤال اليوم هل سيستمر رئيس الوزراء الإسرائيلي في حربه حتى ينقلب المشهد لدرجة تصل بحكومة صديقة لدول الخليج والغرب معاً في إيران الدولة الشرق أوسطية الجديدة، ومن ثمّ يشهد الإيرانيين رفع للعقوبات يماثل تسارع السيناريو السوري بعد سقوط نظام الأسد. أم أنّ إيران بكل تعقيداتها ستكون عصيّة على التغيير الفجائي الذي يعوّل عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي وربما الرئيس ترامب نفسه. السؤال الأهم أيضاً، هل يسعى نتنياهو لسيناريو إيجابي في إيران يحمل معه دولة إيرانية حديثة صديقة للخليج والغرب أم أنّ هذا السيناريو سيمثّل تحدّي من نوع آخر بالنسبة لتفوّق اللاعب الإسرائيلي في الشرق الأوسط.
 

رشا الجندي

رشا الجندي

مشرف بحثي

المزيد

مجالات الخبرة

  • خبيرة في الشؤون الأمنية والملفات السياسية الاستراتيجية لدول الخليج.
  • خبيرة في قضايا التعاون والأمن الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وباحث أقدم في شؤون الخليج.

التعليم

  • شهادة ماستر في العلاقات الدولية والنظام العالمي من جامعة ليسستر في المملكة المتحدة 2016.
  • تخرّجت من كلية الحقوق عام 2006.

السيرة الشخصية

أ.رشا الجندي حائزة على شهادة ماستر في العلاقات الدولية والنظام العالمي من جامعة ليسستر في المملكة المتحدة 2016. تخرّجت من كلية الحقوق عام 2006، وتدرّبت كمحامية لتلتحق بنقابة المحامين في دمشق عام 2009. رشا خبيرة في أمن وسياسات منطقة الخليج، وتعمل في هذا الاختصاص منذ عام 2011. رشا باحث أقدم في شؤون الخليج في مركز دبي لأبحاث السياسات العامة، كما أنها تشرف على البرنامج التدريبي للمركز.