كتبها: د. حمزة صفوي والأستاذ محمد باهارون
إن العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ تأسيسها تأثرت بالعديد من الأحداث الجيوسياسية والتي جعلت الدولتين في حالة استقطاب يجعل كل دولة تنظر للأخرى كتهديد. غير أن تلك الأحداث لم تمنع دولة الإمارات من أن تصبح ثاني أكبر شريك تجاري لإيران بعد الصين وأكبر شريك في التجارة غير النفطية كما أن الإمارات لم تكن أبدا جزءا من أي عمل عدائي ضد إيران. وفي الوقت الذي بدأت فيه دوافع سياسات الإمارات وباقي دول الخليج العربي الخارجية في التغير من الجيوسياسة إلى الجيواقتصاد، فإن ذلك فتح أبواب فرص جديدة في المنطقة. إن التقارب بين السعودية وإيران كان محركه الأساسي رؤية 2030 السعودية والتي كانت في أساسها مقاربة اقتصادية وليست سياسية للعالم. وعلى الرغم من الخلاف بين الإمارات وإيران على الجزر الثلاث فإن الترابط الاقتصادي بين الدولتين استمر حتى أثناء الحرب الإيرانية العراقية لأن سياساتها الخارجية كانت دوافعها اقتصادية لا سياسية.
غير أن ذلك يترك سؤالا حول طبيعة الفرص التي يمكن تحقيقها في حال انتهجت إيران مقاربة اقتصادية مشابهة لتوجهات دول الخليج. فيما يلي بعض تلك الفرص
1. التجارة واللوجستيات
إن التعاون بين الإمارات وإيران في التجارة واللوجستيات قد يدخل مرحلة جديدة في حال ما تم تأسيس بنية تحتية جديدة للنقل. إن الاستفادة من الترابط بين موانئ الإمارات الدولية مثل جبل علي وميناء خليفة والفجيرة وبين موانئ إيران مثل الشهيد رجائي والإمام الخميني وشاهبار قد يخلق شبكة نقل تستفيد من الشبكة العالمية التي تشغلها الإمارات عبر العالم. إن ذلك التعاون لن يقلل فقط من كلفة الشحن ويسرع من وقت التسليم ولكنه يمكن أن يحول إيران إلى منطقة نفاذ أساسية لاقتصادات آسيا الوسطى والقوقاز وحتى روسيا. إن ذلك سيفتح ترابط سلاسل الإمداد لدعم أمن الطاقة والغذاء والمعادن الأرضية الثمينة إضافة إلى ربط الاقتصادات غير المحاذية للبحار في آسيا الوسطى بشركائها في الخليج وما بعد ذلك.
سيتطلب تحقيق ذلك تعزيز خطوط شحن جديدة وتسهيل إجراءات الجمارك وربط شبكات تبادل معلومات الشحن. إضافة لذلك فإن تأسيس مناطق للتبادل التجاري الحر تساهم في عمليات الإنتاج والتعليب والتصدير للبضائع المتخصصة يمكن أن تجتذب استثمارات دولية. إن تلك المناطق الحرة يمكن أن تستفيد من العمالة في إيران وقدرات الإنتاج بالإضافة إلى القدرات المالية والبنية التحتية التجارية في الإمارات لرفع قيمة البضائع عالية القيمة والتي يمكن أن تصل للعالم عبر شبكة التوزيع التي تمتلكها الإمارات في الأسواق الناشئة بما في ذلك في أفريقيا وجنوب شرق آسيا وأوروبا.
بخلاف الفوائد الاقتصادية فإن ذلك التعاون سيرسخ التعاون الاقتصادي ويبني الثقة بين القطاعات الاقتصادية في كلا الدولتين.
2. الطاقة والبيئة
إن التعاون بين الإمارات وإيران في مجال الطاقة والاستدامة البيئية يمكن أن يصبح أيضا نقطة تحول في التنمية الإقليمية. إن كلا الدولتين بالأراضي الصحراوية فيها وتعرضها للشمس يمكن أن يكونا مركزا أساسيا للتعاون في الطاقة المتجددة لاسيما انتاج الألواح الشمسية. إن تلك المشاريع المشتركة ستخفف من الاعتماد على الطاقة الأحفورية وستسهل نقل المعرفة والاستثمار الأجنبي ونمو الصناعات النظيفة. من ناحية أخرى فإن انتاجهم من البترول ومن الطاقة النووية يمكن أن يكون أساس لتغطية احتياجات مراكز البيانات لاسيما في المنطقة.
3. السياحة وتنقل الأفراد
إن أساس السياحة هي تسهيل انتقال الأفراد وليس فقط البضائع، إن الحفاظ على تدفق حركة الأفراد سيكون حيويا لتدفق المواهب والكوادر المؤهلة والأيدي العاملة الماهرة. من ناحية أخرى فإن حركة السياحة ستخلق حاجة لانتقال الأفراد لتغطية احتياجات قطاع الخدمات الذي يعتمد على اليد العاملة بالإضافة إلى رواد الأعمال. إن التبادل الثقافي الذي ينشأ عن تسهيل انتقال الأفراد يمكن أن يصبح جسرا يدعم التفاهم المتبادل والروابط بين المجتمعات. إن ما تقدمه إيران من عناصر جذب تاريخية وثقافية وبيئية يمثل إمكانيات كبيرة لصناعة السياحة العالمية وهو ما يمكن أن يستفيد من مكانة الإمارات كوجهة سياحية عالمية حيث أن دبي وحدها تصنف ضمن أكثر الوجهات العالمية زيارة برفقة مدن مثل باريس ولندن وبانكوك.
ثقافيا فإن تنظيم المعارض الفنية المشتركة ومعارض الصناعات اليدوية وأسابيع الأفلام في كلا الدولتين قد يدعم الصناعات الفنية وتقديرا أكبر للتراث الفني والثقافي للمنطقة. كما أن الشراكة في التعليم بين الجامعات في كلتا الدولتين بما في ذلك الشهادات المشتركة وتبادل الطلبة والسلك التعليمي سيخلق فرص للتطوير العلمي والإنساني بين المنطقتين ويخلق فرص جديدة للتعاون عبر المنطقة يدعم التبادل الاقتصادي.
4. التقنية والابتكار
إن تقوية التعاون التقني بين الإمارات وإيران يمكن أن يكون دافعا لتحول أوسع في اقتصاد المنطقة الرقمي، حيث أن تأسيس مسرعات مشتركة لدعم الشركات الناشئة في تقنية المعلومات والاتصالات والخدمات الرقمية يمكن أن يدعم بيئة الابتكار ويفتح المجال لتبادل المعارف بين رواد الأعمال الشباب. إن وجود إيران مرتبطة بالعالم يكون اقتصادها وشبابها جزء من بيئة العالم الاقتصادية أهم للإمارات والعالم من إيران منعزلة عن العالم.
إن المشاريع التعاونية في مجالات التقنية المالية والبلوكتشين ستصبح حيوية لضمان تدفق البضائع وستزيد من مستويات الشفافية ما سيجعل إيران سوقا مرغوبة أكثر للاستثمار الخارجي الأجنبي. كما أن مبادرات الأبحاث المشتركة لدعم الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وعلوم البيانات ستساهم في التكامل بين القدرات الأكاديمية وتفتح فرصا جديدة لإنتاج المعرفة والتدريب المتخصص وتسويق المنتجات التقنية ما سيجسر في النهاية الهوة المعرفية ويضع المنطقة في قلب التحول الرقمي.
5. التحول الاقتصادي
كما هو حال دول مجلس التعاون الخليجي فإن إيران ستحتاج إلى البدء بعملية تحول اقتصادي ما يسمح لها بالارتباط بالاقتصاد العالمي وسلاسل الإمداد العالمية متى ما تم رفع العقوبات عنها، ولكن ذلك سيتطلب جهدا كبيرا من الدبلوماسية الاقتصادية بين إيران والإمارات وشبكة الدول المتنامية التي توقع اتفاقيات الشراكات الاقتصادية الشاملة مع دولة الإمارات.
كيف يمكن تحرير جميع تلك الفرص
إن مجالات التعاون المقترحة توفر فرص ملموسة لكل من الإمارات وإيران وذلك لتطوير العلاقات الثنائية ودعم الاستقرار الإقليمي وتحقيق النمو الاقتصادي المتبادل ما سيسمح بتحول كبير ليس فقط لاقتصاد إيران ولكن لمستقبل المنطقة. غير أن كما هو الحال مع جميع المشاريع الكبرى فإن هناك حاجة لاستثمار ضخم في تلك الفرص، اقتصاديا، وسياسيا واستراتيجيا. إن انهاء عزلة إيران على مستوى المنطقة قد بنوايا حسنة من دول المنطقة ولكنه يجب أن يتم عبر اتفاق نووي يمكن من رفع العقوبات الدولة ويعيد ترسيخ دور إيران كدولة ذات مساهمة في اقتصاد المنطقة وقيمة استراتيجية للعالم. إن وجود رئيس في البيت الأبيض ينظر للاقتصاد أول يمثل فرصة لإيران والمنطقة حيث تواجه إيران اليوم فرصة لأن تصبح قوة اقتصادية كبرى في المنطقة ولكن ذلك سيتطلب منها عملية تحول كبرى في الطريقة التي تنظر بها إلى نفسها والمنطقة حول ولسياسات المحصلة الصفرية التي كانت تحكم علاقاتها مع المنطقة.
د. حمزة صفوي هو عضو هيئة تدريس جامعة طهران والمدير التنفيذي لمركز دراسات مستقبل العالم الإسلامي في إيران
محمد باهارون هو المدير العام لمركز دبي لبحوث السياسات العامة في الإمارات العربية المتحدة.
صورة: في 3 مارس 2020، أرسلت الإمارات، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، طائرة إلى إيران تحمل 7.5 أطنان من المستلزمات الطبية وخمسة خبراء لدعم 15,000 من العاملين في القطاع الصحي. (الصورة: وام)