السبت, 27 أبريل, 2024

فلسطين: بين الاعتراف وإقامة الدولة

تزايد النقاش المتعلق بكيفية التعامل مع القضية الفلسطينية مؤخراً ضمن طروحات الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، والذي يبدو جزء من التعاطي مع تداعيات حرب غزة على مواقف الشعوب الأوروبية وعلى قاعدة الرئيس بايدن الانتخابية في سنة انتخابات رئاسية، وهنا من المهمّ عدم التسليم بمشروع محدود بالاعتراف بالدولة -على أهميته- وترك إقامة الدولة الفلسطينية دون دعم حقيقي، فالاعتراف بفلسطين هو اعتراف بحقهم السياسي لكن إقامة الدولة بحدود وحقوق سيادية هو الذي سينهي معاناة الشعب الفلسطيني.


استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة كشف حجم معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال، وهذا يتضمن فلسطينيي الضفة الغربية الذين يواجهون تزايد مساعي المستوطنين لطردهم، والاستهداف الغير مبرر  والعنيف لأولادهم يومياً. بينما يرزح سكان غزة تحت القصف المستمر وحملة التجويع وانتشار الأمراض والأوبئة، أمام عجز وشلل المؤسسات الدولية.

هذا المشهد هو الوباء الذي يتهدّد المؤسسات الدولية وبالتالي النظام الدولي السائد بعد الحرب الباردة. بالنسبة للولايات المتحدة فإنّ المؤسسات الدولية وخصوصاً الأمم المتحدة هي إثبات لموقعها الاستراتيجي في النظام العالمي، ما يعني أنّ تراجع دورها هو تراجع لدور واشنطن لصالح نظام عالمي جديد يخدم منافسيها الصين وروسيا، ما يجعل الضرر الذي تتسبب به السياسات الأمريكية تجاه حرب غزة، إضراراً بالمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية ولدورها في حماية النظام العالمي.

تُدرك إدارة الرئيس بايدن أثر تعاطيها مع حرب غزة مع انعكاس هذه السياسة على تدني مستويات قبول الرئيس من الناخبين الأمريكيين من أصول عربية ومسلمة ومن الأفارقة الأمريكيين الذين يرون في معاناة أهل غزة صورة لتاريخ معاناتهم مع العنصرية.

إعلان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر أنّ إدارة الرئيس بايدن تسعى لإقامة دولة فلسطينية مستقلة والذي جاء بالتنسيق مع موقف بريطاني مماثل هو جزء من سياسة رأب الصدع الحاصل دولياً وداخلياً.

ماذا يعني الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة؟ عام 1947 وضعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرار 181 خطة لتقسيم فلسطين والتي تلاها إعلان دولة إسرائيل عام 1948.
اعتراف أمريكا وبريطانيا ودول أخرى في الأمم المتحدة بدولة فلسطين بعد أكثر من سبعين عام سيكون إنجاز معنوي ودبلوماسي للفلسطينيين باعتبار أنه اعتراف بوجودهم وبحقّهم الإنساني بالاستقلال بدولتهم. ولكن هل سيعني مجرّد الاعتراف في الأمم المتحدة أنّ فلسطين ستُقام عملياً كدولة بكامل أو بجزء من أركانها؟ 

علينا النظر لما هو متوقع من المجتمع الدولي بشكل واقعي، فالدولة الفلسطينية لن تُقام ضمن حدود واضحة واستقلال سياسي داخلي على الأرض والبحر والسماء، ولن يكون لأي سلطة قدرة على إدارة مطار أو ميناء أو التكسّب من ثروات البحر المتوسط في ظلّ تمسّك السياسيين الإسرائيليين بفكرة أنّ حياة الفلسطينيين المستقرة والمستقلّة تعني تهديد لدولتهم التي لم يقرر أحد في إسرائيل حدودها حتى الآن، هذه الفكرة تخدم استمرار الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني إلى ما لانهاية بصرف النّظر عن أهمية الاعتراف بوجود دولة فلسطينية من قبل دول لا ترى حتى الآن مصلحة استراتيجية في إنهاء الصراع نفسه والتحالف مع الدول العربية لتحقيق مثل هذا الهدف رغم كل المبادرات المطروحة، المبادرة العربية وربط اتفاق السلام بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل بحلّ الدولتين.

الاعتراف بفلسطين في الأمم المتحدة يثبّت حق الفلسطينيين بإقامة دولتهم، لكنه لا يعني إقامة هذه الدولة، ونظراً للسياسات التي تبناها بايدن ضد الفلسطينيين حتى الآن، فإنّ الاعتراف- في حال حصل فعلاً- سيترافق بالوقوف مرحلياً عند الاعتراف دون دعم خطوات جدّيّة لإقامة الدولة والاعتماد على السياسة المعتادة في لوم الفلسطينيين والعرب لأسباب ابتداءً من رفض الفلسطينيين لقرار التقسيم عام 1947 وانتهاءً بعملية حماس في 7 أكتوبر.

الدخول في نقاش حول الاعتراف بفلسطين تم تداوله سابقاً، لكنه لطالما واجه عوائق تتعلق بالإرادة السياسية وحدود الدولة الفلسطينية وقبول إسرائيل بوجود دولة فلسطينية، وكونه عاد من جديد قيد التداول لا يعني بالضرورة أنه تم تبنيه كسياسة تصبّ لصالح الفلسطينيين أو لصالح أمن المنطقة العربية.

علينا الاعتراف بأنّ الإعلان عن قيام الدولة بدون قيامها يعني تحقيق مكسب سياسي محدود سواء لعديد من الدول الأوروبية التي يتزايد انتقاد مواطنيها لمجريات الحرب، وسواء لإدارة بايدن التي تدفع ثمن هذه السياسة داخلياً بحسب استطلاعات الرأي.

كدول عربية، سيعني سيناريو الاعتراف المحدود ندب جديد للمعاناة الفلسطينية باسم جديد، وهو لن يعني نهاية لعمليات عسكرية إسرائيلية جديدة ضد المناطق الباقية التي يقطنها الفلسطينيين، ولن يعني أنّ تشكيلات عسكرية فلسطينية لن تتأسس كردّة فعل، كما لن يعني توقّف الاستيطان الذي استمر قبل وبعد إعلان دولة إسرائيل عام 1948 ولم يتوقف عند نسبة التقسيم التي تم الإعلان عنها في القرار الأممي 181.

 أزمة الفلسطينيين في غزة اليوم هي في وقف القتل، وأزمتهم في حال توقفت الحرب اليوم ستكون في علاج الجرحى والأمراض والبحث عن إعادة إعمار حتى موعد الحرب القادمة، وهذا في أفضل الأحوال باعتبار أنّ حضور مسؤولين إسرائيليين لمناسبة تطالب باستيطان الإسرائيليين في غزة يطرح مخاوف التهجير باتجاه مصر وهو الحلّ الذي يراه المتطرفون منطقياً لإنهاء التهديد كما يرونه ومعه حلّ الدولة وحقّ العودة الذي كانت الأونروا هي من يمثّل رمزيته، رمزية تم طعنها من خلال الادعاءات الأخيرة والتي هدفت ردّة الفعل ضدها بوقف التمويل وبالدرجة الأولى للقول بأنه لا يوجد حقّ عودة حتى ولو تم طرح حقّ الدولة.

بالنسبة لدولة الإمارات فإنّ الحفاظ على الأمن العالمي هو حجر الزاوية لتجربة النجاح الاقتصادي ونموذج الازدهار الذي أثبت أنّ دول الشرق الأوسط قادرة على النجاح، والذي سهّل عملياً الرؤية المستقبلية لباقي دول الخليج وإيمانها بإمكانياتها، هذا يعني أنّ الخلل والعجز عن قيام المؤسسات الدولية بدورها يعني بروز لتحديات أمنية جديدة في الإقليم وهو سبب إصرار الدولة من خلال بعثتها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن لاستخدام المنبر الدولي في وقف الحرب، وهو سبب المساعي الدبلوماسية الخليجية الحثيثة للتوصل لهدنة ووقف دائم الإطلاق النار يتبعه اعتراف بالدولة الفلسطينية ويترافق بإقامة هذه الدولة ضمن رؤية سياسية وليس تخيّليّة وضمن حدود جغرافية واقتصاد ذاتي الآليّة وليس مخطط هلامي يتوقف عند جلسة في الأمم المتحدة.

التوصل لهدنة ومن ثم وقف دائم لإطلاق النار في غزة هو جزء لا يتجزأ من مساعي الدول العربية لاحتواء التصعيد الحاصل بسبب حرب غزة، لكن إيجاد حلّ للقضية الفلسطينية هو الهدف الاستراتيجي الذي تتوسط دول المنطقة للوصول إليه ودعمه خلال الأشهر الأخيرة.


بحسب الرؤية العربية فإنّ أي تصوّر للأمن والسلم الإقليمي لن يتحقق دون سحب ذرائع ومبررات الخلايا والميليشيات الإرهابية في المنطقة والتي تعتبر استمرارية المعاناة الفلسطينية المعزز الأول لفكرها ودوافعها، وهذا يعني أنّ التوقف عند وقف لإطلاق النار ما هو إلا حلّ مؤقت والتوقف عند الاعتراف بالدولة الفلسطينية ما هو إلا مخدّر مؤقت وليس قرار استراتيجي.

رشا الجندي

رشا الجندي

مشرف بحثي

المزيد

مجالات الخبرة

  • خبيرة في الشؤون الأمنية والملفات السياسية الاستراتيجية لدول الخليج.
  • خبيرة في قضايا التعاون والأمن الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وباحث أقدم في شؤون الخليج.

التعليم

  • شهادة ماستر في العلاقات الدولية والنظام العالمي من جامعة ليسستر في المملكة المتحدة 2016.
  • تخرّجت من كلية الحقوق عام 2006.

السيرة الشخصية

أ.رشا الجندي حائزة على شهادة ماستر في العلاقات الدولية والنظام العالمي من جامعة ليسستر في المملكة المتحدة 2016. تخرّجت من كلية الحقوق عام 2006، وتدرّبت كمحامية لتلتحق بنقابة المحامين في دمشق عام 2009. رشا خبيرة في أمن وسياسات منطقة الخليج، وتعمل في هذا الاختصاص منذ عام 2011. رشا باحث أقدم في شؤون الخليج في مركز دبي لأبحاث السياسات العامة، كما أنها تشرف على البرنامج التدريبي للمركز.