الخميس, 25 أبريل, 2024

من الإرهاب إلى التطرف: دروس من أزمة قطر

في ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر يفاجئنا التغير الكبير في طبيعة الهجمات الإرهابية وتذكرنا أن الأزمة الحالية مع قطر تقع في الفجوة بين السياسات الهادفة لوقف الأعمال الإرهابية التي تحركها المنظمات، والحاجة لسياسات تمنع التطرف الذي يقود الأفراد إلى "الإرهاب".


من الإرهاب إلى التطرف: دروس من أزمة قطر

في ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر يفاجئنا التغير الكبير في طبيعة الهجمات الإرهابية وتذكرنا أن الأزمة الحالية مع قطر تقع في الفجوة بين السياسات الهادفة لوقف الأعمال الإرهابية التي تحركها المنظمات، والحاجة لسياسات تمنع التطرف الذي يقود الأفراد إلى "الإرهاب".

محمد باهارون، المدير العام لمركز دبي لبحوث السياسات العامة

مع ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011 فإننا ننظر إلى كل السياسات والإجراءات التي تمت لمنع وقوع الأعمال الإرهابية. فقد تراوحت السياسات المتبعة من التدابير الوقائية في المطارات إلى سن قوانين جديدة تمكن من تقديم مرتكبي تلك الأعمال للعدالة بل وحتى شن حملات عسكرية متعددة الجنسيات ضد معاقل التنظيمات الإرهابية وملاذاتها الآمنة. ولكننا اليوم نرى أن تلك السياسات ركزت على "منع الحدث الإرهابي" وليس منع "الدوافع إليه".

إن التحولات في طبيعة الأعمال الإرهابية تثير تساؤلات بشأن مدى فعالية سياسات مكافحة الإرهاب وقدرتها على النجاح. فالهجمات الأخيرة في وستمنستر ونيس وباريس وبوسطن ومانشستر، والتي توصف بهجمات الذئاب المنفردة، تكشف عن تطور أمني جديد وهام: حشد الجماهير والاستعانة بها في تنفيذ الهجمات الإرهابية أو ما يمكن أن يوصف بتعهيد الإرهاب. فعلى العكس من التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة و(داعش)، لم تعد الأعمال الإرهابية تعتمد على شبكة منظمة من الإرهابيين المجندين الذين يحتاجون لتمويل وتدريب خاص ودعم لوجستي لشن هجمات كبيرة تستقطب اهتمام الاعلام وبث رعب الدمار الشامل. الهجمات الآن فردية وبأدوات تستخدم في حياتنا اليومية.

إن معظم الأعمال الإرهابية التي نشهدها اليوم لا تتطلب تخطيط واسع وتنسيق بين عدد من الأشخاص يمكن أن تكشفها عمليات المراقبة أو حتى وسائل التصنت، لكنها أعمال "فردانية" يقوم بها افراد من المجتمع تؤثر عليهم أفكار متطرفة لا تصلهم بالضرورة عن طريق أشخاص متطرفين يعملون على تجنيدهم ولكنها تصلهم عن طريق أدوات الإعلام وأجهزة هواتفهم. ونتيجة ذلك فإن مرتكبي تلك الأعمال الإرهابية يختارون أهدافهم وتوقيت عملياتهم ووسائل تنفيذها بحرية بالغة ودون تنسيق مسبق ما يجعل الكشف عنها أكثر صعوبة من عمليات كبرى تحاول منظمات تنفيذها بشكل منسق. وعليه فإن عملياتهم تظهر في سياق مئات الأعمال ذات القصد الجنائي أو الناتجة عن الغضب. وبالتالي فإن تلك الأعمال قد يصعب أحيانا تصنيفها على أنها عمل إرهابي ما يشكل تحديا لمؤسسات انفاذ القانون والمؤسسات القضائية على حد سواء. على سبيل المثال، تعتبر عمليات الطعن جرائم "طعن بسكين" في معظم الولايات القضائية وبالتالي فإن حادثة الطعن في وستمنستر تضيع وسط 32,448 جريمة طعن تم تسجيلها في بريطانيا وويلز وحدهما في العام 2016. وبالمثل، أصبحت الأسلحة النارية أيضا سمة مميزة في الهجمات الإرهابية كما حدث في مومباي وباريس ولندن وإسطنبول أو المملكة العربية السعودية وقد استهدفت عمليات اطلاق النار تلك مجموعات مختلفة منها سياح أو مشاة عابرين أو مرتادي اندية ليلية أو حتى مصلين. إن ذلك النمط من العمليات الإرهابية يستعيد للأذهان قول الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، أن 1000 أمريكي يموتون في أعمال عنف مسلح مقابل كل أمريكي واحد يموت في هجوم إرهابي، ما يمثل تحدي جديد لأسس مكافحة الإرهاب والتي تتميز بأنها جرائمذات "حساسية سياسية".

إن بروز ظاهرة "الذئب الوحيد" الذي يتم تغذيته بالأفكار المتطرفة بعيدا عن مجتمع ولا يتم تجنيده بالطرق التقليدية التي تستدرجه للتدريب وتقدم له الدعم اللوجستي غير قواعد مكافحة الإرهاب، حيث خلق ذلك تحديات هائلة ليس فقط على مستوى الأجهزة الأمنية بل على المستوى التشريعي والسياسي. على سبيل المثال، تعتبر عمليات الدهس في العديد من الدول جنحة وليست جناية ما لم تتبد دلائل قوية على وجود عمل إرهابي. لقد أوقعت عمليات الهجوم والفرار باستخدام سيارة أو غيرها 5000 مصاب في لندن وحدها في العام 2015.  ومؤخرا صدم جيمس اليكس فيلدز بسيارته حشدا من المتظاهرين المناهضين للعنصريين البيض في شارلوتزفيل بولاية فرجينيا مما أدى لمقتل شخص واحد واصابة 19 شخصا، وتم اتهامه بارتكاب جريمة قتل من الدرجة الثانية (قتل بسيارة) وليس بجريمة إرهابية وذلك لأنه ليست هنالك قوانين في الولايات المتحدة بشأن الإرهاب المحلي، على الرغم من المطالبات السياسية بالنظر إلى القضية كحالة إرهاب. ولو وجد مكتب التحقيقات الفدرالي أثناء التفتيش مصحفا في سيارة جيمس فيلدز، فإن هذا المصحف و(في عالم الأخبار المثير) ربما يجبر جهات إنفاذ القانون على تحويل الجريمة من "جريمة كراهية عنصرية ضد البيض" إلى "عمل إرهابي خارجي". ولكن حتى الآن فإن التفرقة بين الفكر المتطرف عن عمليات الإرهاب يهدد بتسييس العدالة.

إن أحداثا مثل إطلاق النار في فورت وود تشير إلى قدرة الانتشار المباشر للخطاب المتطرف حيث أن ذلك الخطاب يتم بثه على نطاق واسع باستخدام وسائط الإعلام التقليدية كانت أم الاجتماعية. إن الهجمات في نيس ومانشستر وبرلين والسعودية تسلط الضوء على دور وسائل الإعلام وقوتها في مسالة التطرف. فالعديد من الأشخاص الذين شاركوا في هجمات الذئاب المنفردة لم يتركوا البلدان التي يقيمون فيها للانضمام لجماعات إرهابيه، ولكنهم دفعوا للتطرف دفعا من خلال خطاب التطرف الذي جعلهم وهوياتهم ومعتقداتهم في "حرب هوية" مع مجتمعاتهم.

إن سياسات محاربة الإرهاب الحالية مصممة لمنع الأعمال الإرهابية ولكنها لا تعالج مسالة الإيحاء بالقيام بأعمال إرهابية والمسئول عنها خطاب متطرف يثير الكراهية ويطوع مفاهيم دينية مثل الجهاد لصالحه. وذلك العجز الذي تعانيه قوانين مكافحة الإرهاب هو ما يفسر، على سبيل المثال، لماذا لم يتم احتجاز الإرهابيين المتورطين في تفجيرات مانشستر قبل وقوع الهجوم على الرغم من أنهم مصنفين كمتطرفين. كذلك كان خورام بوت الذي ارتكب هجمات جسر لندن معروفا لدى سلطات انفاذ القانون كمتطرف ولكن لم يكن إرهابيا، حتى ارتكب هجومه الارهابي ذاك. الشيء نفسه بالنسبة للانتحاري في هجوم ساحة مانشستر هاشم العبيدي والذي تم الإبلاغ عنه كمتطرف وكان والده مرتبط بجماعة سياسية تجتذب أتباعها بخطابها المتطرف ولكنه لم يعتبر إرهابيا حتى قام بتفجير مئات من المراهقين الأبرياء. وينطبق ذلك أيضا على شريف وسعيد كواشي اللذان ارتكبا الهجوم على مجلة شارلي ابدو ومرتكبي تفجيري ماراثون بوسطن.

إن سرعة استلهام الأفكار الارهابية ربما تتجاوز قدرة الأجهزة الأمنية على اكتشاف قدرة أولئك الأشخاص على تنفيذ عمليات إرهابية. لم يكن لحويج بو هلال الذي ارتكب هجوم يوم الباستيل في نيس معروفا لدى السلطات والتي تعتقد إنه دفع للتطرف بسرعة بحسب ما يقوله وزير الداخلية الفرنسي برنار كازينيوف. وبالمثل، تحول انيس العامري الذي ارتكب الهجوم على سوق الكريسماس في برلين إلى التطرف بعد إغلاق السلطات مسجد فوسيليه 33 الواقع في منطقة موبيت. وعليه فإن عمليات الحماية اليوم تتطلب وقف أو تقليل قدرة الفكر المتطرف على الانتشار وذلك من خلال وسائلها الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي.

إن الكشف عن التطرف وتقليل نبرته هو جبهة مواجهة جديدة في محاربة الإرهاب، ونحن مهددون بمواجهة المزيد من التطرف إذا لم نتمكن من التعامل مع المصادر الإخبارية ومنصات التواصل الإجتماعي التي تنشر خطاب الكراهية وبالتالي حرمان المتطرفين من فرصة إساءة استخدام حرية التعبير.

إن مسألة الخطاب الملهم للتطرف هي قضية أساسية في المواجهة التي تخوضها عدة دول مع قطر، على الرغم من أن الموضوع أكبر بكثير من دولة قطر. لقد قاد استمرار الدوحة في دعم التنظيمات الفاعلة العابرة للحدود مثل جماعة الإخوان المسلمين وحزب الله والتي يؤدي خطابها الديني المتعالي إلى حالة من عدم الاستقرار والسلوك المتطرف في العديد من المناطق. لقد قدمت قناة الجزيرة منصة لتمجيد الأشخاص مثل أسامة بن لادن والقرضاوي من أجل إضفاء الشرعية على خطاب الجماعات الراديكالية. مثل هذا الخطاب الراديكالي لن يؤثر على المسلمين في المنطقة فحسب، ولكنه سيتجاوز المنطقة إلى أنحاء أخرى من العالم. إن الدرس الذي تعلمناه من الخلاف الحالي بين ثلاثة دول خليجية إلى جانب مصر مع قطر هو ضرورة وقف التطرف من خلال وقف الاستخدام غير المسؤول لوسائل الإعلام التي تنشر الخطاب المتطرف.

يتمحور الصراع بين أربع دول وقطر حول هذه الفجوة بين السياسات الهادفة لوقف الأعمال الإرهابية التي تحركها المنظمات والسياسات التي تحتاجها كل الدول لكشف المتطرفين ومنع التطرف الذي يقود الأفراد إلى العنف.

وفي حين أن قضية التطرف والإرهاب في قلب الخلاف بين قطر ودول الخليج فإن هذه قضية تتجاوز قطر ودول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط. إنها تمس الآن أوروبا أكثر من أي منطقة أخرى، ولكن الأمر سينتقل عبر الحدود إلى كل دولة، ما سيتطلب تحرك دولي منسق لمواجهة الجبهة الجديدة في مكافحة الإرهاب.
 

محمد عبد الرحمن باهرون

محمد عبد الرحمن باهرون

المدير العام

المزيد

مجالات الخبرة

  • جيو-استراتيجية
  • السمعة والقوة الناعمة
  • السياسة العامة والعلاقات الدولية

التعليم

  • حاصل على درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة تكساس التقنية عام 1995.
  • تخصص اللغة الإنجليزية من جامعة الكويت عام 1987

السيرة الشخصية

 يعمل حاليا مديرا لمركز دبي لبحوث السياسات العامة (بحوث) وقد شارك في تأسيس مركز "بحوث" في عام 2002 في دبي، وهو مركز بحثي يركز على السياسات العامة والشؤون الجيوستراتيجية والعالمية ودراسات الرأي العام.

عمل نائبا للمدير في برنامج وطني المجتمعي لتعزيز الهوية الوطنية وممارسات المواطنة الصالحة منذ تأسيسه في 2005.

شارك كعضو مؤسس في مجلس إدارة "معهد بوصلة" في بروكسل الذي يهتم بالعلاقات الخليجية الأوروبية.

عمل كمحرر لمجلة العربي ومحررا في صحيفة الاتحاد، وسكرتير تحرير مجلة الدفاع الخليجي وعمل في شؤون الاتصال الاستراتيجي في المؤسسة العامة للمعارض في أبوظبي.

 مهتم بالربط بين السياسات العامة وبين التطورات السياسية الدولية والإقليمية والتأثير المتبادل بينهما.